مريم ..
لا بدّ وأنّكِ اعتدتِ عودتي المُفاجئة إليكِ بعد سنينٍ عِجاف، لا بدّ وأنّي أقف مصفّقةً الآن على أطراف يدكِ المُرتعشة!
أيتها الطفلة الضائعة بين أروقة الهلاك، أعرف بحرقة ما سرّ تلك الهالة التي تعبث حول جفنيك، وكم هو مؤلِم أن تنتظرين يد الطمأنينة لتنتشلكِ من صندوقٍ خشبي مُغلق أبت الأيّام أن تخلع القفل عنه وتمنح حريّة الدوران لتلك الفتاة الثائرة.
لو أنّكِ تعلمين كيف تفيض هذه المدينة كلما بكيتِ! وكيف نهرب كلّ على حِدة لنختبئ بظلال قلبكِ المفتوح للشمس وللعصافير والشجر، قلبكِ الأقسى عليكِ من الحجر .. نرتجف، ننسلخ حيرةً، وننغمس في خوفنا لكي لا نراكِ تمشين عاريةً من قوّتكِ، وبكلّ ضعفكِ تتدحرجين وتسقطين بين أحراش شوكٍ أليم، حافية القلب، مُغشى عليكِ، كطفلٍ يحبو تائهًا بين الغرباء وينتظر وجه أمّه الحزين، ولأنّك لست جبانة تنهضين، لأنّ لكِ وعيٌ ممزّقٌ بالآخرين، تعودين راكضةً خوفًا من أن يرى أحدًا هذا الألم العظيم، تندثرين في قناعٍ مُبتهج وتضاهين ما بقيّ على ثوبكِ الخارجي من كآبةٍ ووحيٍ مُهين بعجرفةٍ أعرفها تمامًا ! تحاولين تفادي الموت -الموت ضربًا بالتراكمات على وجه الخصوص- والعودة إلى أزمنةً غير تلك الأزمنة، أمكنةً غير تلك الأمكنة، بوجهٍ ضاحكٍ ومستكين ..أيا ابتسامةً من أنين!
رحلةٌ ليس لها وجهة يا مريم، صوتٌ يمتصّه الفراغ بعد أن يتشبّع بدعوات السّاهرين على ضفافِ هذه الحياة، ينتظرون إجابةٍ بعد سنواتٍ من التجاهل لصوتهم الممزوج بالضجر، هي يقظةُ الموت، ونهاية قدر .. هو الخوف ! شعور من لا يملك شعورًا يحتذي به بما بقي في العمر.
- نفسكِ التي لم تَكُن يومًا غائبةً عنكِ .
-مريم القسّوم